أرشيف النبطية

من ذاكرة النبطية..الإسكافي الحاج محمد سلوم ( أبو منيف)



كتب الأستاذ مصطفى عطية تحت عنوان صورة وكلمة:

هذا هو الحاج محمد سلوم ( أبو منيف) ( الإسكافي) او (الكندرجي) الذي كان يقوم بتصليح الاحذية المتضررة. احببت ذات مرة ان انتعل حذاءً من الطراز القديم الذي لا يمكن الحصول عليه في محلات بيع الاحذية. فارشدني أحد الاصدقاء إلى محل الحاج محمد الذي كان يتقن صناعة الاحذية القديمة . فما كان مني الا ان قصدت ( دكانه) الصغير القائم في حي السراي النبطية قرب مدخل المسجد. وبت اتردد على ذاك ( الدكان ) الصغير القديم واجلس بحضرته مستمعا. شدّني إليه هدوءه ( الصارخ) ، حكمته، زهده ، إيمانه، حسه الإنساني المرهف ، صدقه…

توطدت العلاقة فيما بيننا. فما كان منّي إلا ان قمت بزيارته في بيته المتواضع في احد زواريب حي السراي.
ما اردت ذكره بعد هذا السرد الموجز، لقد أخبرتني زوجته (لروحيهما الرحمة والسلام والمغفرة…)، أخبرتني أمراً ادهشني في ذاك الوقت وما زال يُدهشني ، انه حينما علم زوجها ان (الشباب) في معتقل أنصار ( أبّان الاحتلال) كانوا ينامون على فرش اسفنج، والبعض منهم كان يفترش الارض لعدم توفر الفرش. فما كان من هذا الحاج الرائع الذي ادهشني واثار إعجابي… -رغم تقدمه في العمر – والذي قلّ نظيره… فما كان منه إلا تخلّى عن سرير (التخت) النوم وذهب واشترى لنفسه فرشة اسفنج رقيقة كي يواسي ويتساوى مع شباب المعتقل. هذه واحدة من مآثر المرحوم أبي منيف. هناك مأثرة أخرى وخطوة جريئة أقدم على اتخاذها قلما يفعلها شخص آخر، لن آتي على ذكرها لخصوصيتها.

العبرة من كل ما أسلفت ، انا كنت قد كتبت كيف للمجتمع (المؤاوم) ان يتكامل. ليس المطلوب منّا ان نفترش الارض، ولا ان ننام في العراء ملتحفين السماء ، ولا ان نتضّور جوعاّ، ولا ان نقضي عطشاً… المطلوب بالحد الأدنى الا نعرض ونستعرض في منشوراتنا على وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا المُرفّهة ، ولا مآدب الطعام الشهي… احتراما وتقديرا منّا لمن ترك بيته ورزقه وأهله وهو لا يلوي على شيء… احتراما لاطفال غزّ.. وأهل غزّ.. الذين يشربون الماء المالح ، الذين باتوا يسكنون في العراء ، لا سقف يأويهم، لا ثياب تَقيَهم برد الصحراء، لا دواء يخفف آلام مرضاهم…
كونوا بعضاً من هذا الحاج المؤمن الطاهر التقي النقي المعطاء المحب لعمل الخير ( كان يضع كيسا من النايلون على الطاولة التي أمامه لجمع المال لمساعدة المحتاجين) لا زلت أذكر ذلك جيداً… هذا هو الحاج محمد الذي آثر على نفسه إلا ان يبيت على فراشٍ كما يبيتون…

ما اروعك يا أبا منيف وما أحوجنا إليك ولأمثالك في هذا الزمن الرديء والصعب…

ساختم ببعضٍ مما قاله الامام علي: “…ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى؟…
يعني بالاخير خفّوها وخففوا منها شوي.
بس هيك.
شكرا للصديق العزيز المصور والمؤرخ الاستاذ Ali Mazraani الذي زودني بصورة الحاج محمد ،
والشكر موصول لصديقي وحبيبي المصور ( البطل) Salman Wehbi .

زر الذهاب إلى الأعلى