
كتبت رمال جوني في صحيفة نداء الوطن:
كأنّ المواطن لا يكفيه لهيب الدولار وبركان الأسعار، حتى تلاحقه نيران الحرائق المتنقّلة بين بلدة وأخرى بسبب ارتفاع الحرارة فوق معدلاتها الطبيعية.
كان أجيج النار وهو يلتهم أشجار زيتون في القليعة ودير ميماس وبرج الملوك، يُخبر بحجم الكارثة البيئية التي حلّت على المنطقة، الأكثر شهرة في زراعة الزيتون، وصيت زيتها وصل إلى العالمية، بفضل جودته.
كانت ألسن النيران تتسلّق الأشجار التي تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، وساهمت سرعة الرياح في انتشارها انتشاراً واسعاً. هو الحريق الثاني في أقل من أسبوع يضرب المنطقة بعد حريق محمية إبل السقي الذي طال أشجار الصنوبر.
ناشد مختار القليعة جوزف سلامة الجميع المساعدة في إخماد الحريق. عزّ عليه أن يرى ثروة البلدات تتحول رماداً أمام عينيه. بدا المشهد قاسياً على أبناء المنطقة الذين استنفروا للمساهمة في إطفاء الحريق إلى جانب فرق الدفاع المدني والجيش اللبناني.
وقف سلامة، يتأمّل أثار النار التي أتت على أكثر من 15 دونماً من زيتون القليعة، بعض الأشجار حديث الزراعة، في حين أن زيتون دير ميماس نجا بعدما نجحت فرق الدفاع المدني في إخماد النيران قبل أن تصل إلى نصوب الزيتون.
وقال المختار «وجدنا صعوبة في إخماد الحريق، كانت سرعة الهواء تدفع الى التوسّع، المشهد محزن، يصعب علينا رؤية زيتوننا يشتعل». لا يستبعد سلامة أن يكون الحريق مفتعلاً، قائلاً إنّه «اندلع من زاويتين بمحاذاة الطريق ومنها تمدّد». وأضاف: «يستغلّون الحرارة المرتفعة، لتدمير الغطاء البيئي والزراعي، وهذه جريمة لا تغتفر».
كان سلامة يراقب تعاون فرق الدفاع المدني الآتية من حاصبيا ومرجعيون وإبل السّقي ودير ميماس مع أبناء القليعة للسيطرة على النيران، إلى جانب أصحاب الصهاريج الذين هبّوا لإنقاذ أشجار الزيتون، ما يعتبره سلامة الفرصة التي أنقذت ما تبقّى منها، رغم خسارة مساحة كبيرة».
وشدّد سلامة على ضرورة الوعي، «لأن سيجارة واحدة قادرة على أن تقضي على مئات الدونمات المزروعة، وللأسف لا توجد ثقافة بيئية كافية ولا من يحاسب».
وفيما كانت عناصر الدفاع المدني تعمل على إخماد الحريق، كان هناك شبّان يشقون طريقاً في بساتين الزيتون، للحؤول دون وصول النيران إليها. هذه الخطّة ساهمت في نجاة زيتون دير ميماس، البلدة الأشهر في الزيتون. وفق رئيس بلديتها الدكتور جورج نكد الذي أسف للكارثة التي أصابت زيتون القليعة، مبدياً خشيته من أن تندلع حرائق جديدة وتصيب زيتون البلدة. ولفت إلى أنّ «آليات البلدية وفرق الدفاع المدني ساهمت في رفع الخطر عن زيتون البلدة، ليطال الحريق الأراضي البور التي تغزوها الأعشاب اليابسة».
وحدها العناية الإلهية حالت دون كارثة زراعية عند مثلث القليعة – برج الملوك – دير ميماس، بمشاركة أبناء المنطقة الذين تكاتفوا معاً في إخماد الحريق الذي يطرح تساؤلات: هل هو بفعل الحرارة وحدها أو أنّ يداً بشرية اشتركت في افتعاله؟ بصرف النظر عن الأسباب والدوافع والخلفيات، تبقى الخلاصة، أنّ سواعد الأهالي وحبّهم لأرضهم وأرزاقهم التي ورثوها عن الأجداد لتبقى ملكاً للأجيال، ساهمت في إنقاذ الأشجار الثمينة للغاية، ولكن «ليس في كل مرة تسلم الجرّة» كما قالوا.