
غلاء المعيشة في لبنان ،وازمة تدهور سعر الليرة ، مقابل سعر الدولار وما رافقه من غلاء في أسعار السلع والخدمات و المواد الغذائية، حولت فئة كبيرة من اللبنانيين ،!كانت تُعتبر ميسورة ،الى فئة فقيرة تعيش مشكلة الحاجة والعوز وانعدام القدرة على تلبية حاجاتها .
مشكلة ، تجسدت عناصرها في مشهد واقعي ، انتشرت شواهده في زوايا الطرقات والشوارع وفي كل مكان ، حيث يمكن رصد الفقر “بشحمه ولحمه ” في الواقع وبالعين المجردة .
هناك ، امام محطة الوقود تلك ، يتسمر رجل في نهاية العقد السابع تظنه ينتظر عبور السيارات ليتمكن من متابعة سيره ،
لكنه لا يفعل ، إنما ينظر مباشرة الى وجهك، وينطق بكلمات تدمي القلب :’ اذا ممكن بحاجة لمساعدة قد ما بيطلع من خاطرك ” ..عبارة تحفر الالم في النفس .
والسؤال الذي يتبادر فوراً الى الذهن
امام هذا الرجل ، هو ، عن المقربين من هذا الرجل .لا شعورياً . يخطر في البال السؤال عما اذا كان عنده أولاد او معيل . ويأتي الجواب سريعاً على لسانه من دون مداراة ، ” ليتني لم اتزوج أصلاً ولم انجب هذه الذرية الجاحدة .
قوله. يأخذ الفكر ،الى مشكلة أخرى عميقة ، اجتماعية اخلاقية ودينية، وتطرح أسئلة جديدة عن ألاسباب التي تجعل الابناء “زينة الحياة الدنيا” ، الذي يفخر المرء عند ولادتهم بانهم سنده في المستقبل ، لماذا يتخلون عن مساندة ذويهم الى هذا الحد من التخلي في آخر العمر ؟
ليس بعيداً عن هذا الرجل بكتير ، رجل يقف وسط الطريق، في الخمسينيات من العمر ، يتحرك بخفة بين السيارات، وهو يحمل بيده بضعة أوراق مالية من فئة العشرين الف ، صوته يقع في الأذن واضحاً ” بدي اطلع بالسرفيس للبيت محتاج بعد خمسين الف اذا ممكن” . تعبر أمامه السيارات ، قليل منها يأبه لحاله ويقدم له ما تيسر من المال ، وكثيراً ما تتناهى من داخل السيارات الى المسامع ، عبارة” شو بنا نعطي لنعطي كثرانين ( بالإشارة الى المتسولين ) الله يعيننا ويعينكم ويتابعون السير ، بحسرة .
في شارع آخر تستوقفك سيدة موقرة ، تحسبها وهي تتقدم منك انها تريد ان تسألك عن محل ، او مكان تقصده .
مظهرها لا يوحي ابداً ولا يخطر ببالك انها ستقول غير ذلك . ولكنك فور ما تنظر الى وجهها الأبيض الطيب ، تجد ملامحها قد تغيرت ، تتجهم ، وتهطل دموعها ، وتتعثر كلماتها ، وتقول ما يحرق الروح ، انا جائعة ، منذ الامس لم أتناول الخبز ، زوجي مريض ، هو في المنزل وانا لا اعرف من أين احضر الخبز والطعام لا يوجد معي ولا الف واحد، اريد ثمن الخبز ،وان أتمكن من الرجوع الى بيتي .
في منطقة أخرى ، امام ذلك الفرن أيضاً تجد سيدة بمحاذاة بابه .
في اي وقت تمر، في الصباح او في المساء، تجدها مسّمرة في هذا المكان ،عيونها ملأى دائماً بالدموع،
تسأل العابرين الى الفرن، العطاء، تعبر عن حاجتها، “للآن أولادي وزوجي بلا اكل ، ناطرين ارجع، لنتروق ، اذا ممكن بدي ثمن لبنة . وأحيانا تطلب صنفا آخر .وغالباً، تدعو، من يسألها عن حالها ، الى زيارة بيتها القريب من الفرن، ليتأكد من عجز زوجها، وفقر حال اسرتها، وان ابنتها الشابة، مضطرة للبقاء الى جانب والدها وخدمته ، فيما هي تتولى شأن الخروج كل يوم لتتسول لقمة عيش اسرتها ..
امرأة أخرى تجلس امام مصرف ، تتوسل بدموعها ، وصوتها المتهدج، المارة، لمساعدتها ببعض المال لشراء دواء لزوجها. تبرز وصفة طبية لتؤكد انها تقول الحقيقة لاقناعهم، علها تتمكن من نيل مرادها، وحل مشكلتها .
هي نماذج لحالات ، بل هي عينة من ظاهرة تسول عند طبقة كانت تعتبر بالامس ميسورة في لبنان ، جعلتها ، للاسف ، الأزمة المالية في لبنان، ترزح وتئن جوعاً وعوزاً وفقراً وصولاً الى حدود التسول .
امال عز الدين