أخبار جبل عامل

من “شرفة أمّ هشام” إلى متحف مازن عطوي… سياحة جنوبية داخلية

كتبت رمال جوني في صحيفة نداء الوطن:


بعيداً من ضجيج الأزمات الداخلية، تخترق السياحة الداخلية خطوط عرض الإقتصاد لتنعشه، سياحة ما زالت خجولة نسبياً، تعتمد في معظمها على الإبداعات الفردية، فالأماكن التراثية والتاريخية الرسمية في طور الإهمال، لم تشهد حركة تأهيلية بعد.

على امتداد الجنوب اللبناني تنتشر المتاحف التراثية والحرفية، متاحف طبعت ذاكرة القرى داخلها، وحفظت تاريخاً حافلاً بالإنجازات والتضحيات، إذ تركز معظمها على المقتنيات القديمة التي رافقت حياة الأجداد، ولعل شرفة أم هشام وهبي أبرزها، إذ تحوي مئات القطع النادرة التي جمعتها السيدة السبعينية من القرى والبلدات، رغبة منها في تخليد الماضي الجميل الذي عاشته، فهي لم تتوان يوماً عن جمع أباريق فخارية أو خوابٍ تراثية وحتى الفوانيس وعدّة الفلّاح والمزارع كلّها تتوزّع في المكان الذي بات يشكّل لأمّ هشام الذاكرة الخالدة، حيث تمكّنت من جمع مئات القطع المتنوّعة «من البابوج للطربوش»، من دون أن تغفل حتّى عدّة الخياطة والفلاحة اليدوية، وتحوّلت شرفة أم هشام الصغيرة في بلدة الدوير الجنوبية إلى نقطة تلاقٍ للأجيال ومدار بحث ثقافي رائد لطلاب الجامعات. وتندرج هواية أم هشام في إطار الهوايات التراثية الأرشيفية وهي بالنسبة لها كنز ممنوع التفريط به، بل تحولت ذاكرتها التراثية متحفاً داخلياً يستقطب الزوار.

ليست شرفة أم هشام الوحيدة في النبطية، بل قفز إلى الواجهة أخيراً متحف مازن عطوي في بلدة حاروف، لهذا المتحف هوية مغايرة، فهو جمع حضارات الشعوب معاً، بدا وكأنه يُعيد ترميم الواقع السياسي الداخلي والخارجي، حملت معظم مقتنياته الطابع العسكري والتاريخي العالمي، أتى بمعظمها من فرنسا والمانيا والعديد من دول العالم، متحفه يكاد يكون الأكبر في منطقة النبطية، غير أنه لم يأخذ حقّه من الأضواء، رغم احتوائه مئات القطع التاريخية النادرة. وقد نجح عطوي في جمعها من دول العالم. هو واحد من عشرات المتاحف الفردية المهمّشة في منطقة النبطية، ولم يتم وضعها على خارطة السياحة الداخلية.

ما زالت منطقة النبطية بعيدة نوعاً ما عن السياحة الداخلية، رغم اكتنازها أماكن تراثية وتاريخية وأثرية عدّة، فالدولة لم تُعر هذه المنطقة رعايتها وتحديداً السياحة التي بقيت خجولة، ومتاحفها التراثية بقيت متاحف فردية مناطقية لم تدرج على خارطة الدولة السياحية رغم اهميتها.

على بعد 10دقائق تقريباً من مدينة النبطية تقع بلدة حاروف حيث متحف مازن عطوي، متحف يقرأ فيه الزائر تطور المرحلة التاريخية والعسكرية العالمية، حتى بريد هتلر الذي كان يستعمله تجده هنا، إضافة إلى الأسلحة القديمة، واللافت أنّه خصص جناحاً للطبيب العربي وكان مقصد الناس قديماً ويبدو أنه سيعود مع تراجع قدرتهم على الاستشفاء، إذ كان التداوي يتمّ بالاعشاب، ما يعني من وجهة نظر عطوي التخلّص من الاحتكار وجشع تجار الادوية.

كلّ الاحتمالات واردة مع تفاقم الأزمة الداخلية، وكما أعادت الدولة الناس إلى «اللوكس» والفانوس والـ ups ستعيدهم الى الطبّ العربي البديل، ولا عجب إن صار الطبيب العربي مقصد الناس، فما زال طبيب الحروق العربي ناشطاً هذه الأيام وملجأً لكل الناس، والأهمّ أنّ العلاج لديه لا يحتاج واسطة ولا «دولار فريش» ولا من يحزنون، أما التداوي بالاعشاب فعاد ولا ينقصه الّا طبيب عربي يحمل عدّته من جديد.

وبالعودة إلى متحف عطوي فإنّ ما يلفت داخله قسم الحلاقة القديمة، حيث العدّة اليدوية التي لا تحتاج كهرباء، بحسب عطوي «سنعود قريباً إلى هذا الزمن، فحلم الكهرباء انتفى والاشتراك مع المولدات التجارية صار موجعاً». يضحك عطوي في سرّه وكأنّه يرى متحفه يعود الى الحياة، فهو الذي أمضى سنوات في جمع محتوياته ليكون ذاكرة للتاريخ والجغرافيا، غير أنّ أزمات الوطن ستعيد ضخّ الروح في كلّ شيء قديم.

لا شك في أنّ سياحة المتاحف مهمّة جدّاً، من شأنها تحريك العجلة السياحية في المنطقة، جلّ ما ينقصها بعض الاضاءة عليها واهتمام حكومي ليعرف السائح أنّ في الجنوب متاحف مهمّة جداً، فهل من يهتمّ؟

زر الذهاب إلى الأعلى