ما عاد بالإمكان السكوت، ولا عاد في مقدور الناس احتمال الشقاء والبؤس، ولا الرضوخ لواقع الحال، وصار لزاما الصراخ في وادي الإهمال علّ الصدى يصل لـ “وطن تصريف الأعمال”، ولدولة أقصى ما وصلنا من نِعَمِها أن مسؤوليها ما عادوا يستشعرون الحرج والخجل حيال كارثة النفايات والصرف الصحي وكل هذا “القرف” الذي يحاصر المواطن أنى توجه في جهات الوطن الأربع، شاطئا وجبلا شرقا وغربا ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب فالبقاع.
أما الكارثة الأكبر، فتلك التي تطالع السياح والمغتربين والمواطنين في ” مطار رفيق الحريري الدولي “، المفترض أنه واجهة لبنان، ومنه يلج القادمون إلى ربوعه، وبدلا من أن يُستقبلوا بعطر الأزهار ورائحة التراب وبمساحات خضراء مزدانة بألوان تمتع العين، نرى الإهمال يقوم بـ “الواجب”، روائح نتنة تزكم الأنوف، حتى لنتأكد أن من يأتي إلى لبنان لا يروم السياحة وإنما تدفعه الضرورة، أي موجبات العمل وظروف لا يمكن تخطيها، ولكل وافد ومغادر ألف سبب وسبب.
لا نتحدث عن مشكلة مستجدة، فالروائح الكريهة المحاصِرة لمطار بيروت راحت تنتشر قبل أكثر من خمس سنوات، وكانت مقتصرة آنذاك على روث الحيوانات ومخلفات المسالخ في نطاق مدينة الشويفات، وكان في الإمكان معالجة الأمر بتأمين بدائل بعيدا من حرم المطار، إلا أن المشكلة استمرت وتفاقمت، وكأن مطار بيروت قائم في أرض نائية، ومرات عدة وردت شكاوى عدة من مواطنين شعروا بالخجل خلال استقبال وتوديع ضيوف أجانب، وهم لا يملكون إلا أن تشقهم الأرض وتبتلعهم وخيباتهم الكثيرة من دولة صار الانتماء إليها مجلبة لخوف من حاضر ومستقبل.
اليوم لم يعد مصدر الروائح المسالخ وحسب، فالعقل “الرسمي” تفتق عن حل غرائبي لمشكلة النفايات يوم قررت الحكومة السابقة استحداث مطامر لردم الشاطىء في “الكوستابرافا”، ما ضاعف من الروائح الكريهة، فضلا عن مياه الصرف الصحي وهي تصب في البحر.
وإذا كانت الدولة عاجزة عن وقف مصادر الروائح، فلماذا لا تنظم مسابقة تطلب فيها من المواطنين معرفة “خلطة” هذه الروائح وتقديم جوائر لمن يحل “كيمياء” القرف؟ فمع ما وصلت إليه حالنا اليوم ما عاد في مقدورنا إلا الضحك والسخرية من وجع، وأن نردد بصوت واحد “يا عيب الشوم”!