عيد الجيش
آمال خليل
الأربعاء 1 آب 2018

«ذاكرة سيحفظها الكتاب للأجيال القادمة، ويستحق أن يكون مرجعاً يوثق مراحل تطور الإعلام العسكري في مديرية التوجيه». هكذا وصف قائد الجيش العماد جوزيف عون الكتاب التوثيقي للباحث علي مزرعاني «الإعلام والتوجيه في الجيش اللبناني 1942 – 2016» الصادر حديثاً عن «دار الفرات للنشر والتوزيع». طوال خدمته العسكرية منذ عام 1983 حتى 2016، جمع المؤهل أول المتقاعد في الجيش، أعداد مجلتي «الجندي اللبناني» و«الجيش» ومجموعة ملصقات وطوابع تؤرخ لتطور الإعلام والخطاب التوجيهي للمؤسسة العسكرية منذ نشأتها. للمرة الأولى، تجمع تلك المواد في مكان واحد. لم يتم التطرق إلى الأمر من قبل، حتى إن بعض المواد مفقودة إما لقلة الاهتمام بالاحتفاظ بنسخ منها وتوثيقها، أم بسبب القصف والاعتداءات التي طالت عدداً من المراكز العسكرية. ذلك التاريخ المبعثر، حفّز مزرعاني على تقديم هدية لا تبهت لجيشه. في آخر يوم من خدمته وأثناء توقيعه على وثيقة التسريح، أعلم رؤساءه بأنه يوثق ـــ بجهده الفردي ومن حسابه الخاص ـــ مراحل الإعلام العسكري. جولة بحث واسعة قادت ابن النبطية إلى وزارة الدفاع ومراكز عسكرية وإلى ضباط وعسكريين، بهدف جمع نسخ عن الملصقات والمجلات القديمة والحديثة المكتوبة والمصورة. مئات المواد التي جمعها، حوّلها إلى نسخ مطبوعة ورقياً ورقمياً، وأودع قيادة الجيش عدداً منها.
حوت مجلة «الجيش» أعمال رسامين بارزين كبول غيراغوسيان وبيار صادق ووجيه نحلة
في مقدمة الكتاب، يقيّم النحات شربل فارس المواد التي تظهر السياق الذي سلكه الملصق العسكري الذي كان أداة الدعاية الأبرز: مرحلة اللوحة الملصق إلى الصورة الملصق وصولاً إلى مرحلة الملصق السياسي والإعلامي الحالي الذي استفاد من وسائل التكنولوجيا الحديثة. ولفت فارس إلى أن الصور الفوتوغرافية لم تكن مستقلة عن المحيط. بداية، كانت تحت تأثير الطابع الإعلامي للانتداب الفرنسي ثم جاء الملصق المنبري الذي تأثر بالملصق الروسي والألماني والفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية. ولم ينج الملصق من تأثيرات الحرب الأهلية. فغلبت مفردات الحرب والتحريض والتحذير وصولاً إلى خطاب السلم الأهلي بعد اتفاق الطائف.
في متن الكتاب، يستعرض الرائد محمود جمول السيرة الذاتية لمجلة «الجيش» التي أصبحت لاحقاً أبرز أدوات الخطاب الموجه نحو الجنود والمواطنين على السواء. في شهر أيار (مايو) 1942، أصدر الضابط المتقاعد في الجيش فؤاد حبيش مجلة «الجندي اللبناني» عن «دار المكشوف» التي كان يملكها. المجلة كانت ترصد أخبار الدرك بشكل خاص، مع هامش صغير لأخبار الجيش في ظل الانتداب الفرنسي. في عام 1946، صارت تعنى رسمياً بشؤون الجيش والدرك والشرطة ثم الأمن العام عام 1954. بالتزامن مع صدور المجلة، بدأ بث إذاعة الجندي عام 1947. المجلة والإذاعة كانتا منبر الجيش الذي لم يكن يحتفل بعيد تأسيسه سنوياً في الأول من آب (أغسطس) إلا بعد عام 1968. في الستينيات أيضاً، انتقلت مهمة الإشراف على المجلة من الدرك إلى الشعبة الثانية (استخبارات الجيش حينها). لكن بداية السبعينيات شهدت أول تطور مهني في الإعلام العسكري عندما أنشئت الشعبة الخامسة التي تولت مهام التوجيه قبل أن يتغير اسمها إلى شعبة العلاقات العامة التي تولت الإشراف على المجلة بعد وفاة حبيش. الاسم تغير مرة ثانية عام 1979، فصارت مديرية الإعلام. وبعد ثلاث سنوات، حصلت قيادة الجيش على ترخيص لإصدار مجلة شهرية تدعى «الجيش». أثّرت الحرب الأهلية على المجلة التي توقفت عن الصدور لثلاث سنوات عام 1976، ثم صدرت وتوقفت لاحقاً مراراً إلى أن انتظم صدورها منذ عام 1990. منذ ذلك الحين، تحولت المناشير التي كانت تلقى أحياناً من الطائرات أو تبث عبر الإذاعة والصحف، إلى بيانات تصدر عن مديرية التوجيه تخاطب على كل المستويات، من الإعلان عن تفجير قذائف في موقع ما إلى عرض حيثيات عملية ما قام بها مروراً بتوضيح ما يرد عنه من أخبار صحافية ومواقف.