منوعات

مؤسسة الامام الحكيم | لقاء حواري تحت عنوان “تحديات الفكر الديني في العالم المعاصر”

منتدى الأربعاء في مؤسسة الإمام الحكيم يستضيف الأب الدكتور “باسم الراعي”
في لقاء حواري تحت عنوان “تحديات الفكر الديني في العالم المعاصر”

استضاف منتدى الأربعاء في مؤسسة الإمام الحكيم أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية الأب الدكتور “باسم الراعي” في لقاء حواري تحت عنوان: “تحديات الفكر الديني في العالم المعاصر” بحضور جمع من الشخصيات الدينية والسياسية والدبلوماسية والأكاديمية والإعلامية..
قدّم اللقاء وأداره المحامي الأستاذ “بلال الحسيني”..
في بداية مداخلته؛ فسّر الأب “باسم الراعي” عنوان الندوة، موضحاً بأن “الزمن المعاصر” يمتد من نهاية الزمن الحديث (مع هيغل) وبداية الثورة الصناعية، ويضم ضمناً زمن ما بعد العصرنة.. ولناحية الدين عرف هذا الزمن بزمن الدهرنة والعلمنة.. أما اليوم فيحكى عن زمن ما بعد الدهرنة..
أما عن مصطلح “الفكر الديني”، فتتعدى كونها نظرة عقائدية، وتعني تفاعل الدين مع الواقع والتغييرات التي تطرأ على الفكر البشري، واستعداده ليجيب على أسئلة العصر..
أما التحديات، فإن تغيّرات الزمن تحمل تحديات للفكر الديني.. وهي تعني “الحث” أي وضع الدين في حال لا يمكنه أن يخرج من اللعبة، لأنه إذا خرج، يخسر من قيمة وجوده ويصبح من دون تأثير.. وهناك تحديات من داخل الدين تتمثل بالعدة الدينية التي بإمكانها أن تجيب على تحديات الخطاب الديني.

بعد ذلك، تناول الأب “الراعي” الحديث عن تحديات الفكر الديني في ثلاثة أزمنة:
أولاً؛ الزمن المعاصر..
ويشهد هذا الزمن سيطرة العقل، لاسيما العقل الوسائلي؛ ومن نتائجه على الدين: الإلحاد النظري والعلمي وسيطرة الدهرنة. وتتمثل هذه التحديات بنقد الدين على ثلاثة مراحل:
الأولى، الربوبية والتي تعترف بإله يضمن عمل النظام، لكن لا صلة لها بالوجود.
الثانية، نقد الدين باعتباره وهماً.
الثالثة، نقد الدين باعتباره عائقاً للحرية
وقد رد الدين على هذه التحديات بالدفاع عن وجود الله وموقعه في الحياة.. لكن، عندما تحصنت المؤسسة الدينية بالموقف الكلاسيكي، خسرت الرهان في أماكن كثيرة.
ثانياً؛ زمن ما بعد العصرنة:
نتائج الثورة الصناعية إنسانياً وعالمياً قد ولّدت الشك بمطلقية العقل، وأعادت السؤال عن ضرورات العودة إلى المعايير. وظهرت في هذا الزمن مقولة “عودة سلطة التقليد”، أي البحث عن مصادر حكمية، لكن من دون المس بالدهرنة. فكان الدين واحداً من المصادر المطروحة.
أما التحديات التي تواجه الدين في هذا العصر فتتمثل بـ: “نعم” للدين، لكن لا سلطة له على الواقع، حيث إن الدين مصدراً اختيارياً..
وكان جواب الدين عن هذه التحديات بأن حاول الخروج من القوقعة إلى الحوار مع المعاصرة. فتحوّل إلى محاور للحضارة ومساعد في تقديم رؤيته للوجود المرتكزة على رؤيته للإنسان.
لكن ظل موضوع الحقيقة في مقابل نسبية المعرفة، إذ لا يمكن بناء معايير من دون أدنى نسبة من الحقيقة.. وهذا يتطلب إعادة النظر بالخطاب الديني الذي صار مجبراً أن يصبح خطاباً تعددياً..

ثالثاً؛ تحديات زمن ما بعد الدهرنة:
زمن العولمة وتغيير مفهوم الحدود والعلاقات الدولية، وزمن تحرك الشعوب. وكان من نتائجه تداخل الحضارات على أرض واحدة بشكل يعيد خلط الأوراق على مستوى تأسيس المجتمعات والشعوب، فسقط مفهوم الـ”نحن” الموحدة التي كانت قد صنعتها القومية، وصار البحث اليوم عن “نحن” ومفهومها أن التعدد وحدة في التنوع.
وتتمثل تحديات الدين في هذا الزمن بعامل الهوية من دون أن تقود إلى التعصب والعنصرية، بل تكون عامل سلام، وذلك بأن يكون خطاب الدين شريكاً في قيام وحدة تقوم على الاعتراف المتبادل.
وكان جواب الدين عن هذه التحديات، بأن يتضمن الخطاب الديني شؤون االعالم من إنسانية وبيئية ومشاكل الوحدة والتنوع، من خلال تكيّفه مع منطوقات الدهرنة أولاً، أي القوانين الراعية للمجتمع في دولة الحق.

ولخص الأب “الراعي” نتائج تحديات الفكر الديني بالتالي:
أولاً، ضرورة الاعتراف بسلطة العلوم. إذ لم تعد العقيدة الدينية مصدر الحقيقة، وهذا يفرض على الفكر الديني جهد تفسير الحقيقة التي لديها حتى تحظى بالاهتمام. وهذا يقودنا حتماً إلى ضرورة إعادة السلطة لذاتها ودورها، وإلا سيقع الدين في محظور أبلسة العالم، ويدخل في صراع أبلسة متبادلة كما حدث في العصر الحديث. وأما إذا استفحل الصراع فسيؤدي إلى العنف المتبادل في بعض الأحيان، كما حصل في الثورة الفرنسية على سبيل المثال..
ثانياً؛ ضرورة التحول نحو التعددية.. يأبى زمن ما بعد العصرنة “الأحادية” كما ظهر مع أحادية العقل، ويرفض أيضاً أحادية الحقيقة لصالح الاختيار. وبالطبع سيكون للأقوى في تقديم ذاته ـ مقنعاً بين خيارات مختلفة له ـ الحظ الأوفر في كسب الثقة. من هنا، يجب رسم حدود واضحة بين دور الدين واعترافه بأدوار الآخرين.. فعلى سبيل المثال، توصل الغرب إلى المعادلة التالية: العلم لا يدعي أنه يجيب عن سؤال الـ”لماذا” والدين لا يجيب عن سؤال الـ”كيف”..
وبهذا ارتسمت مرحلة جديدة أزالت الطابع الإلحادي عن العلم وفي الوقت معاً نزعت من الدين ادعاء القدرة على الإجابة عن كل ما في الكون من أسئلة، ماعدا الأسئلة التي تطال معنى الحياة والوجود. لأن التاريخ كشف أن العقل الوسائلي لم يستطع أن يبعد الإنسان عن الأسئلة الأساسية والمصيرية التي لا يمتلك جواباً عنها.
ثالثاً؛ ضرورة التحول نحو المعايير لا إلى المنهي عنه والمباح..
في زمن ما بعد الدهرنة لم يعد هناك من إغفال عن الخطاب الديني، فلكي يكون خطاباً مقبولاً يجب أن يشارك في تدعيم الحياة على أساس بلورة معايير معينة.. وإلا سيظل الدين ظاهرة لا اعتبار لها. فعليه أن يُظهر بأنه “رافعة حضارية إنسانية”. فإن وازن بين الكلمة والفعل؛ حَظيَ بمصداقية في قلب العالم الذي يعيش فيه.

وخلص الأب الدكتور “باسم الراعي” بالقول: يواجه شبابنا اليوم ـ حتى المتدينيين منهم ـ إشكالية تكمن في أنهم يعيشون ازدواجية في المدرسة والجامعة، فهم ينتمون إلى عالم يطرح أسئلة أو ربما يقدم معادلات تؤدي من حيث لا يدرون إلى ترسيم حدود داخلية بين وعيهم الديني ووعيهم العلمي. وفي مجتمع الاستهلاك الذي نعيش فيه، تتسلل هذه الأفكار بشكل أنهم يعيشون حضارة لا دينية في قالب إنسان متدين. وهذه القضية حساسة جداً، وخصوصاً للمؤسسة الدينية التي تتعامل في الكثير من الأوقات مع هذه الظواهر باللجوء إما إلى تعميم خطاب يدين وينحو نحو أصولية غير متبصرة كفاية؛ أو باستعمال أدوات القمع التي لا تمتلك اليوم فعالية كبيرة مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت.
والحل لهذه الإشكالية يكمن في أن يدخل الدين مرحلة تفسير ونقد ذاتي، أي أن يأخذ مساراً انتروبولوجياً لا ميتافيزيقياً حصرياً، وذلك كي يتمكن من إثبات حاجته للإنسان وحاجة الإنسان إليه، لأن الحضارة المعاصرة أقوى بكثير من أن يستطيع الدين الإمساك بمفاصلها وتأثيرها، إذا بقي على استراتيجياته وطرقه القديمة.
وعليه؛ ينبغي أن يُعنى الدين بأسئلة المعنى التي غالباً ما يكون شبابنا ضحاياها من دون أن يعرفوا ذلك، لأن حضارة الاستهلاك تعمل على الدوافع البسيكولوجية المحركة للإنسان وهذه أعمق بكثير من أن نتعامل معها من منطلق الأدلجة أو القمع.

وقد تلا المحاضرة حوار بين الأب “الراعي” والحضور.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى